فصل: (بَابُ طَلَاقِ السُّنَّةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.كِتَابُ الطَّلَاقِ:

الشَّرْحُ:
كِتَابُ الطَّلَاقِ:
لَمَّا فَرَغَ مِنْ النِّكَاحِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِ اللَّازِمَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ وَهِيَ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ شَرَعَ يَذْكُرُ مَا بِهِ يَرْتَفِعُ لِأَنَّهُ فَرْعٌ تَقَدَّمَ وُجُودُهُ وَاسْتِعْقَابُ أَحْكَامِهِ، وَأَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّضَاعِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ إلَّا أَنَّ مَا بِالرَّضَاعِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ، وَمَا بِالطَّلَاقِ مُغَيًّا بِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدَّمَ بَيَانَ الْحُكْمِ الْأَشَدِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْأَخَفِّ، وَأَيْضًا التَّرْتِيبُ الْوُجُودِيُّ يُنَاسِبُهُ التَّرْتِيبُ الْوَضْعِيُّ، وَالنِّكَاحُ سَابِقٌ فِي الْوُجُودِ بِأَحْكَامِهِ وَيَتْلُوهُ الطَّلَاقُ فَأَوْجَدَهُ فِي التَّعْلِيمِ كَذَلِكَ.
وَالطَّلَاقُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّطْلِيقُ كَالسَّلَامِ وَالسَّرَاحِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسْرِيحِ، وَمِنْهُ قوله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} أَيْ التَّطْلِيقُ، أَوْ هُوَ مَصْدَرُ طَلُقَتْ بِضَمِّ اللَّامِ أَوْ فَتْحِهَا طَلَاقًا كَالْفَسَادِ.
وَعَنْ الْأَخْفَشِ نَفْيُ الضَّمِّ.
وَفِي دِيوَانِ الْأَدَبِ إنَّهُ لُغَةٌ، وَالطَّلَاقُ لُغَةً رَفْعُ الْوَثَاقِ مُطْلَقًا، وَاسْتُعْمِلَ فِعْلُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ أَطْلَقْت بَعِيرِي وَأَسِيرِي، وَفِيهِ مِنْ التَّفْعِيلِ طَلَّقْت امْرَأَتِي، يُقَالُ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ أَوَّلِ طَلْقَةٍ أَوْقَعَهَا، فَإِنْ قَالَهُ ثَانِيَةً فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّأْكِيدُ، أَمَّا إذَا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَلِلتَّكْثِيرِ كَغَلَّقْتِ الْأَبْوَابَ.
وَفِي الشَّرْعِ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ: ط ل ا ق. صَرِيحًا كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كِنَايَةً كَمُطْلَقَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَهِجَاءِ طَالِقٍ بِلَا تَرْكِيبٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَغَيْرِهِمَا كَقول الْقَاضِي فَرَّقْت بَيْنَهُمَا عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ الْإِسْلَامَ وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْمُفِيدَةِ لِلرَّجْعَةِ وَالْبَيْنُونَةِ وَلَفْظِ الْخُلْعِ فَخَرَجَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي فِي إبَائِهَا وَرِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَخِيَارُ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ طَلَاقًا، فَقول بَعْضِهِمْ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْفُسُوخِ وَمُشْتَمِلٌ عَلَى مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحِلِّ مِنْ شَرْطِ وُجُودِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَالتَّعْرِيفُ لِمُجَرَّدِهَا وَرُكْنُهُ نَفْسُ اللَّفْظِ.
وَأَمَّا سَبَبُهُ فَالْحَاجَةُ إلَى الْخَلَاصِ عِنْدَ تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَعُرُوضِ الْبَغْضَاءِ الْمُوجِبَةِ عَدَمَ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشَرَعَهُ رَحْمَةً مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَشَرْطُهُ فِي الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا مُسْتَيْقِظًا، وَفِي الزَّوْجَةِ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ فِي عِدَّتِهِ الَّتِي تَصْلُحُ مَعَهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ.
وَضَبْطُهَا فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ: الْمُعْتَدَّةُ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ، وَالْمُعْتَدَّةُ بِعِدَّةِ الْوَطْءِ لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ غَيْرُ حَاصِرٍ إذْ تَتَحَقَّقُ الْعِدَّةُ دُونَهُمَا كَمَا لَوْ عَرَضَ فَسْخٌ بِخِيَارٍ بَعْدَ مُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَلْحَقَ الْخَلْوَةُ بِالْوَطْءِ، فَكَأَنَّهَا هُوَ وَفِيهِ تَسَاهُلٌ، ثُمَّ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ بِعُرُوضِ حُرْمَةٍ مُؤَبَّدَةٍ أَوْ غَيْرِ مُؤَبَّدَةٍ لَا يَقَعُ فِيهَا طَلَاقٌ وَلَا شَكَّ فِيهِ فِي الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ، كَمَا إذَا عَرَضَتْ الْحُرْمَةُ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي اعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّتُ بِغَايَةٍ لِيُفِيدَ الطَّلَاقَ فَائِدَتُهُ.
وَأَمَّا فِي الْفَسْخِ بِغَيْرِهَا فَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْعِدَّةِ مِنْ خِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ، وَعَلَى هَذَا إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لَا يَقَعُ طَلَاقُ الزَّوْجِ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْبِيَّ إذَا كَانَ الزَّوْجُ فَلَا عِدَّةَ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحَرْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فَكَذَلِكَ لِحِلِّهَا لِلسَّابِي بِالِاسْتِبْرَاءِ.
وَمِثْلُهُ لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِمُهَاجَرَةِ أَحَدِهِمَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَا يَقَعُ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الرَّجُلُ فَلَا عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَهِيَ عِدَّةٌ لَا تُوجِبُ مِلْكَ يَدٍ إذْ لَا يَدَ لِلْحَرْبِيِّ، وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ مِلْكُ الْيَدِ فَكَانَتْ كَالْعِدَّةِ عَنْ الْفُرْقَةِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الزَّوْجَانِ مُسْتَأْمَنَيْنِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا فَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَإِذَا حَاضَتْهَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِلَا طَلَاقٍ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الْمُصِرَّ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرُّجُوعِ، إلَّا أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الذِّمِّيَّيْنِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَاءِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةَ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ هُنَاكَ فَسْخٌ، وَبِهِ يُنْتَقَضُ مَا قِيلَ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ، وَيُنْتَقَضُ أَيْضًا بِالْمُرْتَدِّ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِرِدَّتِهِ فَسْخٌ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ فَهِيَ فَسْخٌ اتِّفَاقًا، وَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّيَّتِهَا لِلطَّلَاقِ لَوْ هَاجَرَتْ فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ فَهَاجَرَ بَعْدَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى قولهِمَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَقِيلَ هَذَا قول أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ فَأَمَّا عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فِي قول أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ.
وَفِي قول أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَقَعُ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ اشْتَرَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا: يَعْنِي فَأَعْتَقَتْهُ، فَحَكَى الْخِلَافَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى عَكْسِ مَا حَكَاهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ اتِّفَاقًا.
فَلَوْ عَادَ وَهِيَ بَعْدُ فِي الْعِدَّةِ فَطَلَّقَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَهُمَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ فَمَا إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الْحَرْبِيِّ وَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ يَتَأَخَّرُ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا إلَى مُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أُخْرَى وَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ، وَلِهَذَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْفُرْقَةَ لَيْسَتْ لِلتَّبَايُنِ بَلْ لِلْإِبَاءِ إلَّا أَنَّ الْمُدَّةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ إبَائِهِ بَعْدَ الْعَرْضِ فَلِذَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ.
وَأَمَّا وَصْفُهُ فَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «إنَّ أَبْغَضَ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ الطَّلَاقُ» فَنَصَّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَكَوْنِهِ مَبْغُوضًا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرَتُّبَ لَازِمِ الْمَكْرُوهِ الشَّرْعِيِّ إلَّا لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِالْبُغْضِ إلَّا لَوْ لَمْ يَصِفْهُ بِالْإِبَاحَةِ لَكِنَّهُ وَصَفَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْدَمَا أُضِيفَ إلَيْهِ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَبْغُوضٌ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَا رُتِّبَ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَدَلِيلُ نَفْيِ الْكَرَاهَةِ قوله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} وَطَلَاقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ ثُمَّ أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَبِهِ يَبْطُلُ قول الْقَائِلِينَ لَا يُبَاحُ إلَّا لِكِبَرٍ كَطَلَاقِ سَوْدَةَ أَوْ رِيبَةٍ فَإِنَّ طَلَاقَهُ حَفْصَةَ لَمْ يُقْرَنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ» فَمَحْمَلُهُ الطَّلَاقُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ مِنْ قولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِغَيْرِ نُشُوزٍ فَعَلَيْهَا لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ التَّعَالِيلِ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَلِلْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ مَا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ سَبَبِهِ فَبَيْنَ الْحُكْمَيْنِ مِنْهُمْ تَدَافُعٌ، وَالْأَصَحُّ حَظْرُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُحْمَلُ لَفْظُ الْمُبَاحِ عَلَى مَا أُبِيحَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ: أَعْنِي أَوْقَاتِ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ الْمُبِيحَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضُ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ» وَإِنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ فِي الزَّمَانِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْكِبَرِ وَالرِّيبَةِ، فَمِنْ الْحَاجَةِ الْمُبِيحَةِ أَنْ يُلْقَى إلَيْهِ عَدَمُ اشْتِهَائِهَا بِحَيْثُ يَعْجِزُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِإِكْرَاهِهِ نَفْسَهُ عَلَى جِمَاعِهَا، فَهَذَا إذَا وَقَعَ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى طَوْلِ غَيْرِهَا مَعَ اسْتِبْقَائِهَا وَرَضِيَتْ بِإِقَامَتِهَا فِي عِصْمَتِهِ بِلَا وَطْءٍ أَوْ بِلَا قَسْمٍ فَيُكْرَهُ طَلَاقُهُ كَمَا كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوْدَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى طَوْلِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ هِيَ بِتَرْكِ حَقِّهَا فَهُوَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَكَانَ قِيلَ لَهُ فِي كَثْرَةِ تَزَوُّجِهِ وَطَلَاقِهِ فَقَالَ: أُحِبُّ الْغِنَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} فَهُوَ رَأْيٌ مِنْهُ إنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَكُلُّ مَا نُقِلَ عَنْ طَلَاقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَطَلَاقِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُمَّ عَاصِمٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تُمَاضِرَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الزَّوْجَاتِ الْأَرْبَعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَقَالَ لَهُنَّ: أَنْتُنَّ حَسَنَاتُ الْأَخْلَاقِ نَاعِمَاتُ الْأَطْوَاقِ طَوِيلَاتُ الْأَعْنَاقِ اذْهَبْنَ فَأَنْتُنَّ طَلَاقٌ فَمَحْمَلُهُ وُجُودُ الْحَاجَةِ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فَمَحْضُ كُفْرَانِ نِعْمَةٍ وَسُوءِ أَدَبٍ فَيُكْرَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حُكْمُهُ فَوُقُوعُ الْفُرْقَةِ مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ.
وَأَمَّا مَحَاسِنُهُ فَمِنْهَا ثُبُوتُ التَّخَلُّصِ بِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَمِنْهَا جَعْلُهُ بِيَدِ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِاخْتِصَاصِهِنَّ بِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَغَلَبَةِ الْهَوَى، وَعَنْ ذَلِكَ سَاءَ اخْتِيَارُهُنَّ وَسَرُعَ اغْتِرَارُهُنَّ وَنُقْصَانِ الدِّينِ، وَعَنْهُ كَانَ أَكْثَرُ شُغْلِهِنَّ بِالدُّنْيَا وَتَرْتِيبِ الْمَكَايِدِ وَإِفْشَاءِ سِرِّ الْأَزْوَاجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا شَرْعُهُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ كَذُوبَةٌ رُبَّمَا يَظْهَرُ عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَيْهَا أَوْ الْحَاجَةِ إلَى تَرْكِهَا وَتُسَوِّلُهُ، فَإِذَا وَقَعَ حَصَلَ النَّدَمُ وَضَاقَ الصَّدْرُ بِهِ وَعِيلَ الصَّبْرُ، فَشَرَعَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثَلَاثًا لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ صِدْقَهَا اسْتَمَرَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِلَّا أَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ بِالرَّجْعَةِ، ثُمَّ إذَا عَادَتْ النَّفْسُ إلَى مِثْلِ الْأَوَّلِ وَغَلَبَتْهُ حَتَّى عَادَ إلَى طَلَاقِهَا نُظِرَ أَيْضًا فِيمَا يَحْدُثُ لَهُ فَمَا يُوقِعُ الثَّالِثَةَ إلَّا وَقَدْ جَرَّبَ وَفَقِهَ فِي حَالِ نَفْسِهِ، وَبِعَدَدِ الثَّلَاثِ تَبْلَى الْأَعْذَارُ.

.(بَابُ طَلَاقِ السُّنَّةِ):

قَالَ: (الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ، وَبِدْعِيٌّ. فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَيَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا)؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَإِنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا الرَّجُلُ ثَلَاثًا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَامَةِ وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي الْكَرَاهَةِ (وَالْحَسَنُ هُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ) وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَا يُبَاحُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْوَاحِدَةِ.
وَلَنَا قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا فَتُطَلِّقَهَا لِكُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ، فَالْحَاجَةُ كَالْمُتَكَرِّرَةِ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا، ثُمَّ قِيلَ: الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِيقَاعَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا طَهُرَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا، وَمِنْ قَصْدِهِ التَّطْلِيقُ فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوَقَاعِ.
الشَّرْحُ:
وَأَمَّا أَقْسَامُهُ فَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقولهِ (الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ، وَبِدْعِيٌّ) اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ؛ وَالسُّنِّيُّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَمِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ، وَالْبِدْعِيُّ كَذَلِكَ، فَالسُّنِّيُّ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ (فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ) وَلَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَا طَلَاقَ فِيهِ، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَيَتْرُكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) لِمَا أَسْنَدَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ (أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَإِنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ النَّدَامَةِ) حَيْثُ أَبْقَى لِنَفْسِهِ مُكْنَةً لِلتَّدَارُكِ حَيْثُ يُمْكِنُهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا دُونَ تَخَلُّلِ زَوْجٍ آخَرَ (وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ) حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَإِنَّ سَعَةَ حِلِّهَا نِعْمَةٌ عَلَيْهَا فَلَا يَتَكَامَلُ ضَرَرُ الْإِيحَاشِ (وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي الْكَرَاهَةِ) أَنَّهَا وَاقِعَةٌ أَوْ لَا، بَلْ الْإِجْمَاعُ عَلَى انْتِقَائِهَا، بِخِلَافِ الْحَسَنِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافَ مَالِكٍ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِلَّةِ ضَرَرِ هَذَا وَاسْتِحْبَابِهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ كَانَ أَحْسَنَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ السُّنِّيَّ الْمَسْنُونَ وَهُوَ كَالْمَنْدُوبِ فِي اسْتِعْقَابِ الثَّوَابِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُبَاحُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ فَمَعْنَى الْمَسْنُونِ مِنْهُ مَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا.
نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ جِمَاعِهَا أَوْ حَائِضًا أَوْ ثَلَاثًا فَمَنَعَ نَفْسِهِ مِنْ الطُّهْرِ إلَى الطُّهْرِ الْآخَرِ وَالْوَاحِدَةِ نَقول إنَّهُ يُثَابُ لَكِنْ لَا عَلَى الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الْخَالِي بَلْ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ امْتِنَاعًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ الْكَفُّ غَيْرُ فِعْلِ الْإِيقَاعِ، وَلَيْسَ الْمَسْنُونُ يَلْزَمُ تِلْكَ الْحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْقَعَ وَاحِدَةً فِي الطُّهْرِ الْخَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطُرَ لَهُ دَاعِيَةُ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ سَمَّيْنَاهُ طَلَاقًا مَسْنُونًا مَعَ انْتِفَاءِ سَبَبِ الثَّوَابِ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بَعْدَ تَهَيُّؤِ أَسْبَابِهَا وَقِيَامِ دَاعِيَتِهَا، وَهَذَا كَمَنْ اسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الزِّنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ مَعَ الْكَفِّ عَنْهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَطَلَبُ النَّفْسِ لَهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ وَكَفَّ تَجَافِيًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ أُثِيبَ.
قولهُ: (وَالْحَسَنُ طَلَاقُ السُّنَّةِ) وَأَنْتَ حَقَّقْت أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَلَاقُ السُّنَّةِ فَتَخْصِيصُ هَذَا بِاسْمِ طَلَاقِ السُّنَّةِ لَا وَجْهَ لَهُ وَالْمُنَاسِبُ تَمْيِيزُهُ بِالْمَفْضُولِ مِنْ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ.
قَالَ: (وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً أَوْ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِإِيقَاعِهِ كَذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ أَنْ يَكْتُبَ إذَا جَاءَكِ كِتَابِي هَذَا وَأَنْتِ طَاهِرَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ كُنْتِ حَائِضًا فَإِذَا طَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ: هَذَا بِدْعَةٌ وَلَا يُبَاحُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْوَاحِدَةِ (وَلَنَا قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ زُرَيْقٍ أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ، حَدَّثَهُمْ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتْبِعَهَا بِطَلْقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الْقَرِينِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ، قَدْ أَخْطَأْت السُّنَّةَ، السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ فَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ، فَأَمَرَنِي فَرَاجَعْتُهَا. فَقَالَ: إذَا هِيَ طَهُرَتْ فَطَلِّقْ عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ أَمْسِكْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا أَكَانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ فَقَالَ لَا، كَانَتْ تَبِينُ مِنْكَ وَكَانَتْ مَعْصِيَةً» أَعَلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ بِالْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: أَتَى بِزِيَادَاتٍ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ.
وَرُدَّ بِأَنَّهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ زُرَيْقٍ سَنَدًا وَمَتْنًا.
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَسَنُ بِسَمَاعِهِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ.
وَقِيلَ لِأَبِي زُرْعَةَ الْحَسَنُ لَقِيَ ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ نَعَمْ.
وَأَمَّا إعْلَال عَبْدِ الْحَقِّ إيَّاهُ بِمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ فَلَيْسَ بِذَاكَ، وَلَمْ يُعِلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ إلَّا بِالْخُرَاسَانِيِّ، وَقَدْ ظَهَرَتْ مُتَابَعَتُهُ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ لِخَفَائِهَا؛ لِأَنَّهَا بَاطِنَةٌ، وَدَلِيلُهَا الْإِقْدَامُ عَلَى طَلَاقِهَا فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ، وَقَدْ تَكُونُ الْحَاجَةُ مَاسَةٌ إلَى تَرْكِهَا أَلْبَتَّةَ لِرُسُوخِ الْأَخْلَاقِ الْمُتَبَايِنَةِ وَمُوجِبَاتِ الْمُنَافَرَةِ فَلَا تُفِيدُ رَجْعَتَهَا فَيَحْتَاجُ إلَى فِطَامِ النَّفْسِ عَنْهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْقِبُ النَّدَمَ وَالنَّفْسُ تُلِحُّ لِحُسْنِ الظَّاهِرِ، وَطَرِيقُ إعْطَاءِ هَذِهِ الْحَاجَةِ مُقْتَضَاهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ عَلَى الصَّبْرِ وَيُعَالِجَهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ تَدَارَكَ بِالرَّجْعَةِ، وَإِنْ قَدَرَ أَوْقَعَ أُخْرَى فِي الطُّهْرِ الْآخَرِ كَذَلِكَ، فَإِنْ قَدَرَ أَبَانَهَا بِالثَّالِثَةِ بَعْدَ تَمَرُّنِ النَّفْسِ عَلَى الْفِطَامِ، ثُمَّ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارِ فَقَدْ مَضَتْ مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً، فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً انْقَضَتْ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَبِالطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ بَانَتْ وَوَقَعَ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ.
قولهُ: (ثُمَّ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الطَّلَاقَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ) عَلَيْهَا.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَظْهَرُ أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ قول مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ: إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ، وَرَجَّحَهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا فِيهِ وَمِنْ قَصْدِهِ تَطْلِيقُهَا فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوَقَاعِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

متن الهداية:
(وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَكَانَ عَاصِيًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: كُلُّ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ حَتَّى يُسْتَفَادَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ لَا تُجَامِعُ الْحَظْرَ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَا الطَّلَاقِ.
وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَهِيَ فِي الْمُفَرَّقِ عَلَى الْأَطْهَارِ ثَانِيَةً نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا، وَالْحَاجَةُ فِي نَفْسِهَا بَاقِيَةٌ فَأَمْكَنَ تَصْوِيرُ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا، وَالْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ لَا تُنَافِي الْحَظْرَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَا إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِدْعَةٌ؛ لِمَا قُلْنَا.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ.
قَالَ فِي الْأَصْلِ: إنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةٍ زَائِدَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ، وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ) مَا خَالَفَ قِسْمَيْ السُّنَّةِ، وَذَلِكَ بِإِنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُفَرَّقَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ كَذَلِكَ أَوْ وَاحِدَةً فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ جَامَعَهَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي يَلِيهِ هُوَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَكَانَ عَاصِيًا، وَفِي كُلٍّ مِنْ وُقُوعِهِ وَعَدَدِهِ وَكَوْنِهِ مَعْصِيَةً خِلَافٌ، فَعَنْ الْإِمَامِيَّةِ لَا يَقَعُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ وَلَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَفِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عُمَرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا حِينَ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ قولهِمْ فِي الْحَيْضِ، وَأَمَّا بُطْلَانُهُ فِي الثَّلَاثِ فَيَنْتَظِمُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ دَفْعِ كَلَامِ الْإِمَامِيَّةِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ.
وَنَقَلَ عَنْ طَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُمْ يَقولونَ خَالَفَ السُّنَّةَ فَيُرَدُّ إلَى السُّنَّةِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ؟ قَالَ نَعَمْ».
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِم: «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ».
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ.
وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: «طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ طَلَّقْتَهَا؟ قَالَ: طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، قَالَ: إنَّمَا تِلْكَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَارْتَجِعْهَا».
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَقَعُ ثَلَاثًا وَفِي غَيْرِهَا وَاحِدَةً، لِمَا فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ كَانَ كَثِيرَ السُّؤَالِ لِابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ الرَّجُلَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً؟ الْحَدِيثَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلْ كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ تَتَابَعُوا فِيهَا قَالَ: أَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ. هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثًا.
وَمِنْ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ مَا فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّم: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا؟ قَالَ: إذًا قَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ رَادُّهَا إلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَرْكَبُ الْحُمُوقَةَ ثُمَّ يَقول يَا ابْنَ عَبَّاسٍ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك.
وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ: بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلُقَتْ مِنْك ثَلَاثًا وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا.
وَفِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا: بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي ثَمَانِيَ تَطْلِيقَاتٍ، فَقَالَ: مَا قِيلَ لَك.
فَقَالَ: قِيلَ لِي بَانَتْ مِنْك، قَالَ: صَدَقُوا، هُوَ مِثْلُ مَا يَقولونَ وَظَاهِرُهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَمُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ الْبَكِيرِ قَالَ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَته ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي، فَذَهَبْت مَعَهُ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا: لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك، قَالَ: فَإِنَّمَا كَانَ طَلَاقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّك أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِك مَا كَانَ لَك مِنْ فَضْلٍ.
وَهَذَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا إنَّمَا تَطْلُقُ بِالثَّلَاثِ وَاحِدَةً وَجَمِيعُهَا يُعَارِضُ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَأَمَّا إمْضَاءُ عُمَرَ الثَّلَاثَ عَلَيْهِمْ فَلَا يُمْكِنُ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا كَانَتْ وَاحِدَةً إلَّا وَقَدْ اطَّلَعُوا فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى وُجُودِ نَاسِخٍ.
هَذَا إنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ لِعِلْمِهِمْ بِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ كَذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِإِنَاطَتِهِ بِمَعَانٍ عَلِمُوا انْتِفَاءَهَا فِي الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ فَإِنَّا نَرَى الصَّحَابَةَ تَتَابَعُوا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَا يُمْكِنُ وُجُودُ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَعَ اشْتِهَارِ كَوْنِ حُكْمِ الشَّرْعِ الْمُتَقَرِّرِ كَذَلِكَ أَبَدًا، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَوْجَدْنَاك عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: ثَلَاثٌ تُبِينُهَا وَسَائِرُهُنَّ عُدْوَانٌ.
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ وَاقْسِمْ سَائِرَهُنَّ عَلَى نِسَائِك.
وَرَوَى وَكِيعٌ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ.
وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «أَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفَ تَطْلِيقَةٍ، فَانْطَلَقَ عُبَادَةُ فَسَأَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ اللَّهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» وَقول بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مِائَةِ أَلْفِ عَيْنٍ رَأَتْهُ فَهَلْ صَحَّ لَكُمْ عَنْ هَؤُلَاءِ أَوْ عَنْ عُشْرِ عُشْرِ عُشْرِهِمْ الْقول بِلُزُومِ الثَّلَاثِ بِفَمٍ وَاحِدٍ بَلْ لَوْ جَهَدْتُمْ لَمْ تُطِيقُوا نَقْلَهُ عَنْ عِشْرِينَ نَفْسًا بَاطِلٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِجْمَاعُهُمْ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أَمْضَى الثَّلَاثَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ الْإِجْمَاعِيِّ عَنْ مِائَةِ أَلْفٍ أَنْ يُسَمَّى كُلٌّ لِيَلْزَمَ فِي مُجَلَّدٍ كَبِيرٍ حُكْمٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ مَا نُقِلَ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ لَا الْعَوَامّ وَالْمِائَةُ الْأَلْفِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبْلُغُ عِدَّةُ الْمُجْتَهِدِينَ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ كَالْخُلَفَاءِ وَالْعَبَادِلَةِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَلِيلٍ وَالْبَاقُونَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِمْ وَيَسْتَفْتُونَ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَثْبَتْنَا النَّقْلَ عَنْ أَكْثَرِهِمْ صَرِيحًا بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ.
وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِأَنَّ الثَّلَاثَ بِفَمٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةٌ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ فَهُوَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ بِأَنَّهَا ثَلَاثٌ أَسْنَدَهَا الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَصِيرَ كَبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أُجْمِعَ عَلَى نَفْيِهِ، وَكُنَّ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يُبَعْنَ، وَبَعْدَ ثُبُوتِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِالْجَوَابِ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَاحِدَةً إذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ لَا تَحْتَمِلُ مَخْرَجًا عَنْ الْإِبْطَالِ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِذْنَ، وَالْمُكَلَّفُونَ وَإِنْ كَانُوا أَيْضًا إنَّمَا يَتَصَرَّفُونَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَكِنْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ بَعْضِ الظَّوَاهِرِ وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ كَانَ مُقَدَّمًا بِأَمْرِ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ الظَّاهِرِ، قُلْنَا: أَنْ لَا نَشْتَغِلَ مَعَهُ بِتَأْوِيلٍ، وَقَدْ يُجْمَعُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى النَّاسِخِ أَوْ الْعِلْمِ بِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ، هَذَا وَإِنْ حُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ دَفْعًا لِمُعَارَضَةِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى مَا أَوْجَدْنَاكَ مِنْ النَّقْلِ عَنْهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَعَدَمِ مُخَالِفٍ لِعُمَرَ فِي إمْضَائِهِ وَظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ قول الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ كَانَ وَاحِدَةً فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ لِقَصْدِهِمْ التَّأْكِيدَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، ثُمَّ صَارُوا يَقْصِدُونَ التَّجْدِيدَ فَأَلْزَمَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِهِمْ.
وَمَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ أَنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي يُوقِعُونَهَا الْآنَ إنَّمَا كَانَتْ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةً تَنْبِيهٌ عَلَى تَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فَيُشْكِلُ إذْ لَا يُتَّجَهُ حِينَئِذٍ قولهُ فَأَمْضَاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ رُكَانَةَ فَمُنْكَرٌ، وَالْأَصَحُّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه: «أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ، فَحَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً، فَرَدَّهَا إلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا أَصَحُّ.
وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّالِثُ وَهُوَ كَوْنُ الثَّلَاثَةِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مَعْصِيَةً أَوْ لَا فَحُكِيَ فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَدَلَّ بِالْإِطْلَاقَاتِ مِنْ نَحْوِ قوله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} وَمَا رُوِيَ «أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ لَمَّا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ وَقَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَقَةً وَلَا سُكْنَى» وَطَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تُمَاضِرَ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ، وَطَلَّقَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْرَأَتَهُ شَهْبَاءَ ثَلَاثًا لَمَّا هَنَّأَتْهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوعٌ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ لَا تُجَامِعُ الْحَظْرَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ نِسَاءَهُ الْأَرْبَعَ دَفْعَةً جَازَ، فَكَذَا الْوَاحِدَةُ ثَلَاثًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِلْمُضَارَّةِ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَا الطَّلَاقِ، وَبِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ يَحْرُمُ لِتَلْبِيسِ وَجْهِ الْعِدَّةِ أَهُوَ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْوَضْعِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ وَلَنَا قوله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} إلَى أَنْ قَال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} فَلَزِمَ أَنْ لَا طَلَاقَ شَرْعًا إلَّا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ، وَهَذَا مِنْ طُرُقِ الْحَصْرِ فَلَا طَلَاقٌ مَشْرُوعٌ ثَلَاثًا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ يَتَبَادَرُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ كَمَا قَالَ الْإِمَامِيَّةُ، لَكِنْ لَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ عَدَمَ مَشْرُوعِيَّتِهِ كَذَلِكَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ تَفْوِيتُ مَعْنَى شَرْعِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ لَهُ كَذَلِكَ وَإِمْكَانِ التَّدَارُكِ عِنْدَ النَّدَمِ، وَقَدْ يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ لَا، وَهَذَا مَعْنَى قولهِ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِ لَا تُنَافِي الْحَظْرَ إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ.
وَلَنَا أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قول ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِلَّذِي طَلَّقَ ثَلَاثًا وَجَاءَ يَسْأَلُ: عَصَيْت رَبَّك.
وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» وَكَذَا مَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَقَالَ: إنَّ عَمَّك عَصَى اللَّهَ فَأَثِمَ، وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَمَا رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَال: «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ فَقَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ» وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ نِسْبَةِ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ إلَى مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ حَمْلُ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَنَّهُمْ قَالُوا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ، وَأَيْضًا لَنَا مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَإِنَّمَا يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي قَدْ تَعْرِضُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ تَفْرِيقِهَا عَلَى الْأَطْهَارِ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَاجَةَ بَاطِنَةٌ، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْحِلِّ عَلَى دَلِيلِهَا وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الرَّغْبَةِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً حُكِمَ بِالْحَاجَةِ إلَى الثَّلَاثِ كَذَلِكَ فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ دَلِيلَ الْحَاجَةِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ تَصَوُّرِ الْحَاجَةِ وَهِيَ هَاهُنَا غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ لِلْعِلْمِ بِارْتِفَاعِهَا بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، فَأَجَابَ بِمَنْعِ انْتِفَائِهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا قَرَرْنَاهُ فِي جَوَابِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَتَحَقَّقُ إلَى فِطَامِ النَّفْسِ عَلَى وَجْهٍ يَأْمَنُ ظَاهِرًا عُرُوضَ النَّدَمِ، وَطَرِيقُ دَفْعِهَا حِينَئِذٍ الثَّلَاثُ مُفَرَّقَةٌ عَلَى الْأَطْهَارِ لَا مَجْمُوعَةً لِمَا وَجَّهْنَا بِهِ.
قولهُ: (وَالْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِ) جَوَابٌ عَنْ قولهِ مَشْرُوعٌ فَلَا يُنَافِي الْحَظْرَ: يَعْنِي أَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، فَإِنَّهُ فِي ذَاتِهِ إزَالَةُ الرِّقِّ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ نَوْعُ رِقٍّ فَلَا يُنَافِي الْحَظْرَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ فِيهِ قَطْعَ مُتَعَلِّقِ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فَجَازَ إثْبَاتُ مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي ذَاتِهِ مَعَ حَظْرِهِ لِذَلِكَ فَيَصِحُّ إذَا وَقَعَ وَيَسْتَعْقِبُ أَحْكَامَهُ مَعَ اسْتِعْقَابِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَوِّغٌ لِلْحَظْرِ الْحَالِي كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ.
وَالْوَجْهُ فِي تَقْرِيرِهِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ دَافِعٌ لِحَاجَةِ لُزُومِ فَسَادِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إضْرَارٌ وَكُفْرَانٌ بِلَا حَاجَةٍ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قولهِ مَشْرُوعٌ فِي ذَاتِهِ إلَخْ إذَا تَأَمَّلْت؛ لِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ هُوَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَسَيُصَرِّحُ بِهِ فِي وَجْهِ قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي طَلَاقِ الْحَامِلِ حَيْثُ قَالَ: وَلَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ.
قولهُ: (وَكَذَا إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ فِي الطُّهْرِ الْوَاحِدِ بِدْعَةٌ لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ.
قولهُ: (وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِئَةِ، قَالَ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي أَصْلَ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي الْخَلَاصِ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَسُدُّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ التَّدَارُكِ عِنْدَ عَدَمِ اخْتِيَارِ الْمَرْأَةِ الرَّجْعَةَ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ: لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا، وَالْمُرَادُ زِيَادَاتُ الزِّيَادَاتِ فَلَا يُشْكِلُ صِحَّةُ إطْلَاقِ الزِّيَادَاتِ عَلَيْهَا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ أَنَّ أَبَا رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ وَلَمْ يُنْكَرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ.
الْجَوَابُ تَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ أَبُو رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَنَّهُ أَخَّرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِحَالٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ إذْ ذَاكَ، وَالْخُلْعُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغِهَا النِّهَايَةَ، وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ.

متن الهداية:
(وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: سُنَّةٌ فِي الْوَقْتِ وَسُنَّةٌ فِي الْعَدَدِ فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ) (يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا) وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا (وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ تَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ) لِأَنَّ الْمُرَاعَى دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ، أَمَّا زَمَانُ الْحَيْضِ فَزَمَانُ النَّفْرَةِ، وَبِالْجِمَاعِ مَرَّةً فِي الطُّهْرِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ (وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ) خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، هُوَ يَقِيسُهَا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا.
وَلَنَا أَنَّ الرَّغْبَةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا صَادِقَةٌ لَا تَقِلُّ بِالْحَيْضِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ مِنْهَا، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَتَجَدَّدُ بِالطُّهْرِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: فِي الْوَقْتِ وَالْعَدَدِ، فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا) وَهِيَ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً، فَإِذَا طَلَّقَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثًا كَانَ عَاصِيًا، فَفِي الَّتِي خَلَا بِهَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا تَعَذُّرٌ، فَإِنَّ السُّنَّةَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَثْبُتُ بِقِسْمَيْهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً لَيْسَ غَيْرُ وَأَنْ يُلْحِقَهَا بِأُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الطُّهْرِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إذْ لَا عِدَّةَ لَهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
قولهُ: (وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ تَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً) وَكَأَنَّهُ عَمَّمَ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي الَّتِي خَلَا بِهَا فَإِنَّهَا أَيْضًا يَجِبُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ فِي طَلَاقِهَا، وَذَلِكَ الْوَقْتُ هُوَ الطُّهْرُ الَّذِي لَا جِمَاعَ فِيهِ وَلَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي قَبْلَهُ فَلَزِمَ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ الْبِدْعَةِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا مُرَاعَاةُ السَّنَتَيْنِ، فَلَوْ أَخَلَّ بِإِحْدَاهُمَا لَزِمَتْ الْمَعْصِيَةُ، وَإِنَّمَا لَزِمَتَا؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى فِي تَحَقُّقِ إبَاحَةِ الطَّلَاقِ دَلِيلُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ، وَزَمَانُ تَجَدُّدِهَا هُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ لَا زَمَانُ الْحَيْضِ، وَلَا الطُّهْرُ الَّذِي جُومِعَتْ فِيهِ.
أَمَّا زَمَانُ الْحَيْضِ فَلِأَنَّهُ زَمَانُ النُّفْرَةِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا الطُّهْرُ الَّذِي جُومِعَتْ فِيهِ؛ فَلِأَنَّ بِالْجِمَاعِ مَرَّةً تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَالرَّغْبَةُ فِيهَا مُتَوَفِّرَةٌ مَا لَمْ يَذُقْهَا، فَطَلَاقُهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ يَقُومُ دَلِيلًا عَلَى تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ فَجَازَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ جَمِيعًا، خِلَافًا لِزُفَرَ.
هُوَ يَقِيسُهَا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا بِجَامِعِ أَنَّهُ وَقْتُ النُّفْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ فِيهِ دَلِيلَ الْحَاجَةِ فَلَا يُبَاحُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا جَوَابَهُ بِالْفَرْقِ وَهُوَ قولهُ الرَّغْبَةُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا صَادِقَةٌ لَا تَقِلُّ بِالْحَيْضِ.
فَإِنْ قُلْت: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عُمَرَ «مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ» فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ قولهِ هَكَذَا إلَى طَلَاقِهِ الْخَاصِّ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ فَجَازَ كَوْنُ تِلْكَ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» وَالْعِدَّةُ لَيْسَتْ إلَّا لِلْمَدْخُولِ بِهَا.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى)؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ} إلَى أَنْ قَال: {وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ الْحَيْضِ خَاصَّةً حَتَّى يُقَدَّرَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّهَا بِالشَّهْرِ وَهُوَ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ، وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُكْمِلُ الْأَوَّلَ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَازَاتِ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ) وَقَالَ زُفَرُ: يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْحَيْضِ؛ وَلِأَنَّ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ، وَإِنَّمَا تَتَجَدَّدُ بِزَمَانٍ وَهُوَ الشَّهْرُ: وَلَنَا أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ الْحَبَلُ فِيهَا، وَالْكَرَاهِيَةُ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ، وَالرَّغْبَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَفْتُرُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ لَكِنْ تَكْثُرُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ فِرَارًا عَنْ مُؤَنِ الْوَلَدِ فَكَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ رَغْبَةٍ وَصَارَ كَزَمَانِ الْحَبَلِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ وَهُوَ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ ثَمَانٍ وَسَبْعٌ (أَوْ كِبَرٍ) بِأَنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ آيِسَةً بِنْتَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَظْهَرِ أَوْ لَا لَهُمَا بِأَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا (فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلَاقَ السُّنَّةِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}) أَيْ لَمْ يَحِضْنَ بَعْدُ فِيمَا مَضَى؛ لِأَنَّ لَمْ تَقْلِبُ مَعْنَى الْمُضَارِعِ إلَى الْمُضِيِّ فَأَقَامَ الْأَشْهُرَ مَقَامَ الْحَيْضِ حَيْثُ نَقَلَ مِنْ الْحَيْضِ إلَيْهَا.
وَأَيْضًا نَصَّ عَلَى أَنَّ الْأَشْهُرَ عِدَّةٌ بِقولهِ تَعَالَى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} وَالْعِدَّةُ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ لَيْسَ إلَّا الْحَيْضُ لَا الْمَجْمُوعُ، فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ كَوْنِ الْأَشْهُرِ بَدَلَ الْحَيْضِ وَرُشِّحَ بِالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِحَيْضَةٍ وَجُعِلَ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ بِشَهْرٍ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْإِقَامَةِ بِاعْتِبَارِهِ مَعَ لَازِمِهِ مِنْ الطُّهْرِ الْمُضَافِ إلَى كُلِّ حَيْضَةٍ.
وَرُجِّحَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ اكْتَفَى بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ الْمَجْعُولِ عِدَّةً، وَالْحَيْضُ الْمَجْعُولُ عِدَّةً هُوَ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِثْلِهِ طُهْرٌ صَحِيحٌ بِحَيْثُ تَكُونُ عِدَّتُهُمَا غَالِبًا شَهْرًا، وَفَرْقٌ بَيْنَ قولنَا هُوَ بَدَلٌ عَنْ حِيَضٍ يَتَخَلَّلُهَا أَطْهَارٌ وَقولنَا بَدَلٌ عَنْ الْحَيْضِ وَالْأَطْهَارِ الْمُتَخَلَّلَةِ، فَالطُّهْرُ ضَرُورَةُ تَحَقُّقِهَا لَا مِنْ مُسَمَّاهُ، وَمَا أَلْزَمَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ جَمِيعًا لَزِمَ مَنْعُ الطَّلَاقِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَيْضِ حُكْمًا مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ مَقَامُهُ فِي أَنَّهُ عِدَّةٌ فَقَطْ لَا فِي ذَاتِهِ وَذَاتُ الشَّهْرِ طُهْرٌ وَلَا فِي حُكْمٍ آخَرَ، أَلَا يَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ عَقِيبَ الْجِمَاعِ فِي طُهْرِ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ حَرَامٌ وَفِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَا يَحْرُمُ، فَكَذَا الطَّلَاقُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَهَذَا الْخِلَافُ قَلِيلُ الْجَدْوَى لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْفُرُوعِ.
قولهُ: (إنْ كَانَ الطَّلَاقُ وَقَعَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ) هُوَ أَنْ يَقَعَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ رُئِيَ فِيهَا الْهِلَالُ (تُعْتَبَرُ الشُّهُورَ بِالْأَهِلَّةِ) اتِّفَاقًا فِي التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ (وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي التَّفْرِيقِ) أَيْ فِي تَفْرِيقِ الطَّلَقَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا تَطْلُقُ الثَّانِيَةَ فِي الْيَوْمِ الْمُوَفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ بَلْ فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ مُعْتَبَرٌ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْيَوْمِ الْمُوَفِي ثَلَاثِينَ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ (وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِمُضِيِّ تِسْعِينَ يَوْمًا (وَعِنْدَهُمَا يُكْمَلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ) وَقولهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: تَعْتَبِرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ بِالْإِجْمَاعِ يُخَالِفُ نَقْلَ الْخِلَافِ.
قولهُ: (وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَاتِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَتْ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا نَاقِصَةً كَانَتْ أَوْ كَامِلَةً وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ تُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ بِالْأَيَّامِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُكْمِلُ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ بِالْأَخِيرِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِالْأَهِلَّةِ.
وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قولهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْهُرِ الْأَهِلَّةُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِتَكْمِيلِ الْأَوَّلِ بِالْأَخِيرِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَقول ذَلِكَ فِي الْأَشْهُرِ الْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْأَسْمَاءِ، وَهُوَ لَمْ يَسْتَأْجِرْ مُدَّةَ جُمَادَيَيْنِ وَرَجَبٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْأَهِلَّةُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تِسْعِينَ؛ لِأَنَّهُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ الْأَهِلَّةُ صَارَ مَعْنَاهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ فَلَا يَنْقَضِي هَذَا الشَّهْرُ حَتَّى يَدْخُلَ مِنْ الْآخَرِ أَيَّامٌ ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْآخَرُ مِنْ حِينِ انْتَهَى الْأَوَّلُ فَيَلْزَمُ كَذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ.
قولهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا) أَيْ يُطَلِّقَ الَّتِي لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ (وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ.
وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا فِي صَغِيرَةٍ لَا يُرْجَى حَبَلُهَا، أَمَّا فِيمَنْ يُرْجَى فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ كَمَا قَالَ زُفَرُ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ قول زُفَرَ لَيْسَ هُوَ أَفْضَلِيَّةُ الْفَصْلِ بَلْ لُزُومُ الْفَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الَّتِي تَحِيضُ وَفِيهَا يَجِبُ الْفَصْلُ بِحَيْضَةٍ؛ فَفِي مَنْ لَا تَحِيضُ يَجِبُ الْفَصْلُ بِمَا أُقِيمَ مَقَامَهُ وَهُوَ الشَّهْرُ؛ وَلِأَنَّ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ وَإِنَّمَا تَتَجَدَّدُ بِزَمَانٍ.
قولهُ: (وَلَنَا أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ الْحَبَلُ فِيهَا) أَيْ فِي الَّتِي لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ (وَالْكَرَاهَةُ) أَيْ كَرَاهَةُ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ فَيُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ أَنَّهَا بِالْحَيْضِ أَوْ بِالْوَضْعِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَقْتَضِي فِي الَّتِي لَا تَحِيضُ لَا لِصِغَرٍ وَلَا لِكِبَرٍ بَلْ اتَّفَقَ امْتِدَادُ طُهْرِهَا مُتَّصِلًا بِالصِّغَرِ، وَفِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ بَعْدُ وَقَدْ وَصَلَتْ إلَى سِنِّ الْبُلُوغِ أَنْ لَا يَجُوزَ تَعْقِيبُ وَطْئِهَا بِطَلَاقِهَا لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا.
وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرًا أَنْ يُقَالَ قَدْ عَلَّلْتُمْ مَنْعَ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ آنِفًا بِفُتُورِ الرَّغْبَةِ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ دَلِيلَ الْحَاجَةِ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ مَمْنُوعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: لِاشْتِبَاهِ الْعِدَّةِ، وَلِعَدَمِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الطَّلَاقُ مَعَ عَدَمِ دَلِيلِ الرَّغْبَةِ.
وَفِي الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ إنْ فُقِدَ الْأَوَّلُ فَقَدْ وُجِدَ الثَّانِي فَيَمْتَنِعُ.
أَجَابَ بِقولهِ وَالرَّغْبَةُ إلَخْ.
وَحَاصِلُهُ مَنْعُ عَدَمِ الرَّغْبَةِ مُطْلَقًا بِجِمَاعِ هَذِهِ، بَلْ انْتَفَى سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِهَا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ مُطْلَقًا إلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ كَوْنُهُ وَطْئًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ فِرَارًا عَنْ مُؤَنِ الْوَلَدِ فَكَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ رَغْبَةٍ فِي الْوَطْءِ وَصَارَ كَزَمَانِ الْحَبَلِ.
وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَا مَعْنَى لِلسُّؤَالِ الْقَائِلِ لَمَّا تَعَارَضَتْ جِهَةُ الرَّغْبَةِ مَعَ جِهَةِ الْفُتُورِ تَسَاقَطَتَا فَبَقِيَ الْأَصْلُ هُوَ حَظْرُ الطَّلَاقِ، وَتَكَلَّفَ جَوَابَهُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الْوَجْهِ أَنَّ لِلرَّغْبَةِ سَبَبَيْنِ: عَدَمُ الْوَطْءِ مُدَّةً تَتَجَدَّدُ الرَّغْبَةُ عِنْدَ آخِرِهَا عَادَةً، وَكَوْنُ الْوَطْءِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ، فَعَدَمُ الْمُدَّةِ فَقَطْ بِالْوَطْءِ الْقَرِيبِ عَدَمُ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ مَعَ قِيَامِ الْآخَرِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الرَّغْبَةِ.
هَذَا ثُمَّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَنْعِ عَدَمِ الرَّغْبَةِ وَيُتْرَكُ جَمِيعُ مَا قِيلَ مِنْ التَّعْلِيلِ بَعْدَ تَوَهُّمِ الْحَبَلِ وَادِّعَاءِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِاعْتِبَارِهِ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا عَقِيبَ الطَّلَاقِ مُتَرَبِّصَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَى أَنْ تَرَى الدَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ لَا تَرَاهُ فَتَسْتَمِرُّ فِي الْعِدَّةِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ حَمْلُهَا وَتَضَعَ أَوْ يَظْهَرَ أَنَّهُ امْتَدَّ طُهْرُهَا بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا فَتَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ، فَهَذَا الْحَالُ لَا يَخْتَلِفُ بِوَطْئِهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي فِيهِ الطَّلَاقُ وَعَدَمِ وَطْئِهَا فِيهِ، فَظَهَرَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِاشْتِبَاهِ وَجْهِ الْعِدَّةِ لَا أَثَرَ لَهُ، إذْ لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ اعْتِدَادِهَا إذَا جُومِعَتْ فِي الطُّهْرِ وَعَدَمِهِ إلَّا بِتَجْوِيزِ أَنَّهَا حَمَلَتْ أَوَّلًا وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ مَعَهُ الْحَالُ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ اعْتِدَادِهَا.
لَا يُقَالُ: إنَّهُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْوَطْءِ يَجُوزُ الْحَبَلُ وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ فَلَا يُجْزَمُ بِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ ثَلَاثًا إلَّا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَظْهَرُ فِي مِثْلِهَا الْحَبَلُ وَلَمْ يَظْهَرْ بَلْ وَعَلَى أَصْلِنَا؛ لِأَنَّا لَا نَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَةِ الْحَامِلِ الدَّمَ، بَلْ نَقول: إنَّ مَا تَرَاهُ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، فَمَعَ تَجْوِيزِ الْحَبَلِ لَا يُتَيَقَّنُ بِأَنَّ مَا رَأَتْهُ حَيْضٌ أَوْ اسْتِحَاضَةٌ وَهِيَ حَامِلٌ إلَى أَنْ تَذْهَبَ مُدَّةٌ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا فِيهَا لَظَهَرَ الْحَبَلُ؛ لِأَنَّا نَقول: هَذَا بِعَيْنِهِ جَارٍ فِيمَا لَوْ وُطِئَتْ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ طُهْرُ الطَّلَاقِ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ مَانِعًا مُنِعَ الْوَطْءُ فِيهِ أَيْضًا خُصُوصًا فِي آخِرِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَرَاهَةَ الطَّلَاقِ عَقِيبَ الْجِمَاعِ فِي ذَاتِ الْحَيْضِ لِعُرُوضِ النَّدَمِ بِظُهُورِ الْحَبَلِ لِمَكَانِ الْوَلَدِ وَشَتَاتِ حَالِهِ وَحَالِ أُمِّهِ.

متن الهداية:
(وَطَلَاقُ الْحَامِلِ يَجُوزُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْعِدَّةِ، وَزَمَانُ الْحَبَلِ زَمَانُ الرَّغْبَةِ فِي الْوَطْءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ أَوْ يَرْغَبُ فِيهَا لِمَكَانِ وَلَدِهِ مِنْهَا فَلَا تَقِلُّ الرَّغْبَةُ بِالْجِمَاعِ (وَيُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ ثَلَاثًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَزُفَرُ (لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ، وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ الْحَامِلِ لَيْسَ مِنْ فُصُولِهَا فَصَارَ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا.
وَلَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ وَالشَّهْرُ دَلِيلُهَا كَمَا فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجِبِلَّةُ السَّلِيمَةُ فَصَلَحَ عِلْمًا وَدَلِيلًا، بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ فِي حَقِّهَا إنَّمَا هُوَ الطُّهْرُ وَهُوَ مَرْجُوٌّ فِيهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا يُرْجَى مَعَ الْحَبَلِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَطَلَاقُ الْحَامِلِ يَجُوزُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْعِدَّةِ) إنْ اُعْتُبِرَ حَاظِرًا؛ وَلِأَنَّهُ زَمَانُ الرَّغْبَةِ فِي الْوَطْءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ؛ لِأَنَّهُ اُتُّفِقَ أَنَّهَا قَدْ حَبِلَتْ أَحَبَّهُ أَوْ سَخِطَهُ فَبَقِيَ آمِنًا مِنْ غَيْرِهِ فَيَرْغَبُ فِيهِ لِذَلِكَ، أَوْ لِمَكَانِ وَلَدِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَقَوَّى بِهِ الْوَلَدُ فَيَقْصِدُ بِهِ نَفْعَهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قولهِ فِيهَا بَلْ الرَّغْبَةُ فِي الْوَطْءِ لِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ.
قولهُ: (وَيُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً) وَقَالَ بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ (وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِحْلَالِ الثَّلَاثِ مُفَرَّقًا عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ) وَوَرَدَ بِإِقَامَةِ الْأَشْهُرِ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الصَّغِيرَةِ أَوْ الْآيِسَةِ فَصَحَّ الْإِلْحَاقُ فِي تَفْرِيقِهَا عَلَى الْأَشْهُرِ (وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ الْحَامِلِ لَيْسَ مِنْ فُصُولِ عِدَّتِهَا فَصَارَتْ الْحَامِلُ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا) وَفِيهَا لَا يُفَرَّقُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَشْهُرِ فَكَذَا الْحَامِلُ، وَقول مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قول الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ) وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَنْتَفِي مُطْلَقًا بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ فَشُرِعَ لِدَفْعِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْقِبُ النَّدَمَ وَالتَّفْرِيقُ عَلَى أَوْقَاتِ الرَّغْبَةِ وَهِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي تَلِي الْحَيْضَ لِيَكُونَ كُلُّ طَلَاقٍ دَلِيلَ قِيَامِهَا وَلَا دَخْلَ لِكَوْنِهَا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ لَوْ كَانَتْ فُصُولًا فَكَيْفَ وَفُصُولُهَا لَيْسَ إلَّا الْحَيْضُ؛ لِأَنَّهَا الْعِدَّةُ لَا الْأَطْهَارُ عِنْدَنَا، فَكَوْنُهَا فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ لَيْسَ جُزْءَ الْمُؤَثِّرِ بَلْ الْمُؤَثِّرُ دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَشَرْطُ دَلَالَتِهِ كَوْنُهُ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ، وَالتَّجَدُّدُ بَعْدَ الْفُتُورِ لَا يَكُونُ عَادَةً إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ، وَحِينَ رَأَيْنَا الشَّرْعَ فَرَّقَهَا عَلَى الْأَطْهَارِ وَجَعَلَ الْإِيقَاعَ أَوَّلَ كُلِّ طُهْرٍ جَائِزًا عَلِمْنَا أَنَّهُ حُكْمٌ بِتَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ قَدْرِ مَا قَبْلَهُ مِنْ الزَّمَانِ إلَى مِثْلِهِ مِنْ أَوَّلِ طُهْرٍ يَلِيهِ وَذَلِكَ فِي الْغَالِبِ شَهْرٌ، فَأَدَرْنَا الْإِبَاحَةَ عَلَى الشَّهْرِ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّفْرِيقُ عَلَى الْأَشْهُرِ فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَيْسَ، لِكَوْنِهَا فُصُولًا لِإِقَامَتِهَا مَقَامَ الْعِدَّةِ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَا فَالْإِثْبَاتُ فِيهِمَا أَيْضًا بِالْقِيَاسِ لَا بِالنَّصِّ وَدَلَالَتُهُ، بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا مَحِلُّ النَّصِّ عَلَى تَعَلُّقِ جَوَازِ الْإِيقَاعِ بِالطُّهْرِ الْحَاصِلِ عَقِيبَ الْحَيْضِ وَهُوَ مَرْجُوٌّ فِي حَقِّهَا كُلُّ لَحْظَةٍ وَلَا يُرْجَى فِي الْحَامِلِ ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا رَجَّحَ بِهِ شَارِحُ قول مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ التَّفْرِيقَ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ بِقولهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ إلْغَاءِ كَوْنِهِ فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ، عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى التَّفْرِيقِ أَصْلًا بَلْ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ بِالطَّلَاقِ، وَالْعِدَّةُ مَجْمُوعُ الْأَقْرَاءِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ تَفْرِيقَهُ قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَقَدِّم: «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ فَتُطَلِّقُهَا لِكُلِّ قُرْءٍ» وَأُرِيدَ بِالْقُرْءِ الطُّهْرُ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ لُزُومَ التَّفْرِيقِ طَرِيقُهُ أَنَّ مَفْهُومَ طَلِّقُوهُنَّ: أَوْجِدُوا طَلَاقَهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ، فَيَسْتَلْزِمُ عُمُومَيْنِ: عُمُومُ طَلَاقِهِنَّ؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ مُضَافٍ، وَكَذَا عِدَّتُهُنَّ، فَقَدْ أَحَلَّ جَمِيعَ طَلَاقِهِنَّ وَهُوَ ثَلَاثٌ بِجَمِيعِ عِدَّتِهِنَّ، وَجَمِيعُهُ بِفَمٍ وَاحِدٍ حَرَامٌ، فَكَانَ الْمُرَادُ تَفْرِيقُهُ عَلَى الْأَطْهَارِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ مَا يَسْتَلْزِمُهَا، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ النَّكِرَةِ، فَالْمَعْنَى: أَوْجِدُوا طَلَاقًا عَلَيْهِنَّ لِعِدَّتِهِنَّ: أَيْ لِاسْتِقْبَالِهَا.
وَأَيْضًا فَلَفْظُ فُصُولِ الْعِدَّةِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي النُّصُوصِ إنَّمَا سَمَّاهَا بِذَلِكَ الْفُقَهَاءُ، وَلَا يُعْقَلُ مِنْ مَعْنَاهُ سِوَى أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا لَهُ نِسْبَةٌ خَاصَّةٌ إلَيْهَا اتَّفَقَ أَنَّهُ ثُلُثُهَا اتِّفَاقًا، وَكُلُّ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الْحَامِلِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ عِدَّتِهَا كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُتَّفَقْ أَنَّ نِسْبَتَهُ بِالثُّلُثِ، وَعَلَى هَذَا يَقْوَى بَحْثُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الشَّهْرَ مِنْ فُصُولِ عِدَّةِ الْحَامِلِ غَيْرَ أَنَّا لَا نُعَلِّقُ بِهِ إبَاحَةَ الْإِيقَاعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَصْلٌ وَجُزْءٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ زَمَانٌ يَتَجَدَّدُ فِيهِ الرَّغْبَةُ عِنْدَ مَسْبُوقِيَّتِهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الزَّمَانِ.

متن الهداية:
(وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ)؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يَنْعَدِمُ مَشْرُوعِيَّتُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعُمَرَ «مُرْ ابْنَكَ فَلْيُرَاجِعْهَا» وَقَدْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ.
وَهَذَا يُفِيدُ الْوُقُوعَ وَالْحَثَّ عَلَى الرَّجْعَةِ ثُمَّ الِاسْتِحْبَابُ قول بَعْضِ الْمَشَايِخِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَرَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَدَفْعًا لِضَرَرِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ.
قَالَ: (فَإِذَا طَهُرَتْ وَحَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ)، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا.
قَالَ: وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الْأُولَى.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ (مَا ذَكَرَهُ قول أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ قولهُمَا) وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ طَلَاقَيْنِ بِحَيْضَةٍ وَالْفَاصِلُ هَاهُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَتَكْمُلُ بِالثَّانِيَةِ وَلَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ.
وَجْهُ الْقول الْآخَرِ أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي الْحَيْضِ فَيُسَنُّ تَطْلِيقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ) خِلَافًا لِمَنْ قَدَّمْنَا النَّقْلَ عَنْهُمْ مِنْ الْإِمَامِيَّةِ، وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ عُلَيَّةَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ، وَهَذَا (لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ) يَعْنِي أَنَّ النَّهْيَ الثَّابِتَ ضِمْنُ الْأَمْرِ: أَيْ قوله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي قولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ» وَقولهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا: أَيْ مِنْ تَحْرِيمِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ ثُمَّ هُوَ بِهَذَا الْإِيقَاعِ عَاصٍ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «مُرْ ابْنَكَ فَلْيُرَاجِعْهَا» حِينَ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، وَهَذَا يُفِيدُ الْوُقُوعَ) فَيَنْدَفِعُ بِهِ قول نَافِي الْوُقُوعِ (وَالْحَثُّ عَلَى الرَّجْعَةِ وَالِاسْتِحْبَابُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ قول بَعْضِ الْمَشَايِخِ) وَكَأَنَّهُ عَنْ قول مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُوبِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ) كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ (عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ) فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ أَوْجَدَ الصِّيغَةَ الطَّالِبَةَ عَلَى وَجْهِ الْحَتْمِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قول الشَّافِعِيَّةِ إنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ الَّذِي مَادَّتُهُ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصِّيغَةِ النَّادِبَةِ وَالْمُوجِبَةِ حَتَّى يَصْدُقَ النَّدْبُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً، فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الْوُجُوبُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ قولهِ مُرْ أَوْجِدْ الصِّيغَةَ الطَّالِبَةَ مُجَرَّدَةً مِنْ الْقَرَائِنِ بَلْ يَتَحَصَّلُ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ يَثْبُتُ كَوْنًا مَطْلُوبًا فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ، وَلِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَا أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَمُسَمَّى الْأَمْرِ الصِّيغَةُ الْمُوجِبَةُ، كَمَا أَنَّ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُوبُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَادِرَةً عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِيهَا فَهُوَ كَالْمُبَلِّغِ لِلصِّيغَةِ، فَاشْتَمَلَ قولهُ مُرْ ابْنَك عَلَى وُجُوبَيْنِ: صَرِيحٌ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَأْمُرَ.
وَضِمْنِيٌّ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِابْنِهِ عِنْدَ تَوْجِيهِ الصِّيغَةِ إلَيْهِ.
وَالْقَائِلُونَ بِالِاسْتِحْبَابِ هَاهُنَا إنَّمَا بَنَوْهُ عَلَى أَنَّ الْمَعْصِيَةَ وَقَعَتْ فَتَعَذَّرَ ارْتِفَاعُهَا فَبَقِيَ مُجَرَّدُ التَّشْبِيهِ بِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ صَارِفًا لِلصِّيغَةِ عَنْ الْوُجُوبِ لِجَوَازِ إيجَابِ رَفْعِ أَثَرِهَا وَهُوَ الْعِدَّةُ وَتَطْوِيلُهَا، إذْ بَقَاءُ الْأَمْرِ بَقَاءُ مَا هُوَ أَثَرُهُ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ.
قِيلَ عَلَيْهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا يَصْلُحُ بَحْثًا يُوجِبُ الْوُجُوبَ، لَكِنْ لَا يُفِيدُ أَنَّ مَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ قول بَعْضِ الْمَشَايِخِ مَعَ أَنَّ مُحَمَّدًا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا قَالَ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَمَرْجِعُ هَذَا الْكَلَامِ إلَى إنْكَارِ نَقْلِ الْوُجُوبِ عَنْ الْمَشَايِخِ صَرِيحًا بَلْ ذَلِكَ بَحْثٌ، فَإِذَا تَحَقَّقَ النَّقْلُ انْدَفَعَ.
وَقولهُ وَالْأَصَحُّ كَذَا فِي عَادَةِ الْمُصَنِّفِينَ نَقْلُ الْمُرَجَّحُ فِي الْمَذْهَبِ لَا تَرْجِيحُ مَذْهَبٍ آخَرَ خَارِجٍ عَنْ الْمَذْهَبِ.
وَتَذْكِيرُ ضَمِيرِ أَثَرِهِ مَعَ أَنَّهُ لِلْمَعْصِيَةِ إمَّا لِتَأْوِيلِهَا بِالْعِصْيَانِ أَوْ هُوَ لِلطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ.
قولهُ: (وَإِذَا طَهُرَتْ وَحَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ.
وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ فِيهِ: فَإِذَا طَهُرَتْ فِي حَيْضَةٍ أُخْرَى رَاجَعَهَا.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا وَرَاجَعَهَا فِيهَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ: مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قول أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قولهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ قول الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيهِ، فَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي: إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ.
(وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ السُّنَّةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» وَفِي لَفْظٍ «حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا» وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةُ سَالِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ تَفْسِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَقْوَى صِحَّةً.
وَظَهَرَ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَال: «يُمْسِكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ» أَنَّ اسْتِحْبَابَ الرَّجْعَةِ أَوْ إيجَابُهَا مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ الْحَيْضِ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إذَا تُؤُمِّلَ، فَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى طَهُرَتْ تَقَرَّرَتْ الْمَعْصِيَةُ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَوَجْهُ الظَّاهِرِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحَيْضَةٍ وَالْفَاصِلُ هُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَتَكْمُلُ بِالْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا تَتَجَزَّأُ: أَيْ لَيْسَ لِجُزْئِهَا عَلَى حِدَتِهِ حُكْمٌ فِي الشَّرْعِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقول: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ حَيْضَتَيْنِ حَيْضَةٌ فَوَجَبَ تَكَامُلُهَا، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ حَيْضَةٌ إلَّا الثَّانِيَةُ فَلَغَا بَعْضُ الْأُولَى.
وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَيُسَنُّ تَطْلِيقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهَا، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَتَفَرَّعُ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ ثُمَّ رَاجَعَهَا لَا يُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلثَّانِيَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ رَاجَعَهَا بَعْدَ الثَّانِيَةِ لَا يُكْرَهُ إيقَاعُ الثَّالِثَةِ، وَعَلَى هَذَا فَرْعُ مَا لَوْ أَخَذَ يَدَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِلسُّنَّةِ فِي الْحَالِ مُتَتَابِعَةً؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ فَيَكُونُ الْوَقْتُ وَقْتَ طَلَاقِ السُّنَّةِ فَيَقَعُ الثَّانِي، وَكَذَا الثَّالِثُ، وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قولهُمَا لَا يَقَعُ إلَّا الْأُولَى ثُمَّ فِي أَوَّلِ كُلِّ طُهْرٍ بَعْدَ حَيْضَةٍ تَقَعُ أُخْرَى، فَمَا ذَكَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مِنْ نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لَا عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ.
هَذَا إذَا وَقَعَتْ الرَّجْعَةُ بِالْقول أَوْ بِالْمَسِّ، أَمَّا إذَا وَقَعَتْ بِالْجِمَاعِ وَلَمْ تَحْبَلْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي هَذَا الطُّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ جَامَعَهَا فِيهِ وَإِنْ حَبِلَتْ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ شَهْرٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى سَقَطَتْ وَالطَّلَاقُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ فِي الطُّهْرِ إنَّمَا لَا يَحِلُّ لِاشْتِبَاهِ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ إذَا حَبِلَتْ وَظَهَرَ الْحَبَلُ، هَذَا فِي تَخَلُّلِ الرَّجْعَةِ.
فَأَمَّا لَوْ تَخَلَّلَ النِّكَاحُ بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَائِنًا؛ فَقِيلَ لَا يُكْرَهُ الطَّلَاقُ الثَّانِي اتِّفَاقًا، وَقِيلَ فِي تَخَلُّلِ الرَّجْعَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا اتِّفَاقًا.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ.

متن الهداية:
(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةً)؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ وَوَقْتُ السُّنَّةِ طُهْرٌ لَا جِمَاعَ فِيهِ (وَإِنْ نَوَى أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى) سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَهِيَ ضِدُّ السُّنَّةِ.
وَلَنَا أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَهُ؛ لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَهُ بِالسُّنَّةِ لَا إيقَاعًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ وَيَنْتَظِمُهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ (وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَقَعَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى)؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا دَلِيلُ الْحَاجَةِ كَالطُّهْرِ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ وَقَعْنَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لَمَا قُلْنَا) بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الثَّلَاثِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَعْمِيمُ الْوَاقِعِ فِيهِ، فَإِذَا نَوَى الْجَمْعَ بَطَلَ تَعْمِيمُ الْوَقْتِ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةً) فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَأَظْهَرُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ جَامَعَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ ثُمَّ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ أُخْرَى، إنْ كَانَ جَامَعَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا بِدْعَةَ عِنْدَهُ وَلَا سُنَّةَ فِي الْعَدَدِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَأْتِي، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَتَقَعُ الثَّانِيَةُ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَيْضًا وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ.
وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ أَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ، فَالْمَعْنَى الطَّلَاقُ الْمُخْتَصُّ بِالسُّنَّةِ وَالسُّنَّةُ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنِّيُّ عَدَدًا وَوَقْتًا فَوَجَبَ جَعْلُ الثَّلَاثِ مُفَرَّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ لِتَقَعَ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ طُهْرٍ.
وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِكَوْنِ اللَّامِ لِلْوَقْتِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ ثَلَاثًا لِوَقْتِ السُّنَّةِ، وَهَذَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الطَّلَاقِ بِإِحْدَى جِهَتَيْ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَهُوَ السُّنِّيُّ وَقْتًا، وَحِينَئِذٍ فَمُؤَدَّاهُ ثَلَاثٌ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ، وَيَصْدُقُ بِوُقُوعِهَا جُمْلَةً فِي طُهْرٍ بِلَا جِمَاعٍ، فَإِنَّهُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ امْتَنَعَ تَعْمِيمُ السُّنَّةِ فِي جِهَتَيْهَا، بِخِلَافِ مَا قَرَّرْنَا، وَأَمَّا لَوْ صَرَفَهُ عَنْ هَذَا بِنِيَّتِهِ فَأَرَادَ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ خِلَافًا لِزُفَرَ، قَالَ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ ضِدُّ السُّنَّةِ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِيهِ.
قُلْنَا: بَلْ يَحْتَمِلُهُ؛ لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا: أَيْ وُقُوعُهُ بِالسُّنَّةِ فَتَصِحُّ إرَادَتُهُ وَتَكُونُ اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ: أَيْ لِأَجْلِ السُّنَّةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ وُقُوعَ الثَّلَاثِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالْأَوْقَاتِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْقَاتَ السُّنَّةِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الْجَمْعِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ اللَّفْظِ وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تَعْمَلُ مَعَ لَفْظٍ مُحْتَمَلٍ وَاللَّامُ تَحْتَمِلُ الْوَقْتَ وَالتَّعْلِيلَ، وَهِيَ فِي مِثْلِهِ لِلْوَقْتِ أَظْهَرُ مِنْهَا لِلتَّعْلِيلِ فَيُصْرَفُ إلَى التَّعْلِيلِ بِالنِّيَّةِ وَإِلَى الْوَقْتِ عِنْدَ عَدَمِهَا، بِخِلَافِ لَفْظِ أَوْقَاتٍ، وَكَذَا إذَا نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ فَهِيَ عَلَى مَا نَوَى، سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ حَائِضًا أَوْ طَاهِرَةً؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ إمَّا أَنْ يَكُونَ زَمَانَ حَيْضِهَا أَوْ طُهْرِهَا؛ فَعَلَى الثَّانِي هُوَ سُنِّيٌّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَعَلَى الْأَوَّلِ سُنِّيٌّ وُقُوعًا، فَنِيَّتُهُ الثَّلَاثَ، عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ قَدْ تَكُونُ حَائِضًا فِيهِ نِيَّةُ الْأَعَمِّ مِنْ السُّنِّيِّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا مَعًا أَوْ أَحَدَهُمَا.
قولهُ: (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ امْرَأَتُهُ: أَيْ الَّتِي قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ (آيِسَةً أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ) الَّتِي هِيَ فُصُولُ الْعِدَّةِ عِنْدَهُمْ فَيَتَنَاوَلُ الْحَامِلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (وَقَعَتْ لِلسَّاعَةِ وَاحِدَةً وَبَعْدَ كُلِّ شَهْرٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا دَلِيلُ الْحَاجَةِ كَالطُّهْرِ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ.
قولهُ: (وَإِنْ نَوَى أَنْ تَقَعَ السَّاعَةَ ثَلَاثٌ وَقَعْنَ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِزُفَرَ (لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا فَيَصِحُّ مَنْوِيًّا.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقول: يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ فِي الْحَالِ مُتَتَابِعَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ جِمَاعِهِ فَكَانَ كُلُّ وَقْتٍ فِي حَقِّهَا وَقْتَ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَمَا وَجَّهْتُمْ بِهِ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الرَّغْبَةَ مُسْتَمِرَّةٌ وَلَوْ عَقِيبَ الْجِمَاعِ يُوجِبُ تَوَالِي الثَّلَاثَ فِي الْوُقُوعِ، كَمَا لَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ تَقَعُ الثَّلَاثُ مُتَتَالِيَةً؛ لِأَنَّ وَقْتَ كُلٍّ وَاقِعٌ مِنْهَا وَقْتَ السُّنَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْوَجْهُ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَنْحَصِرَ حِلُّ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِطَلَقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى، وَيَنْعَطِفُ بِهَذَا الْبَحْثِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا.
قولهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إلَخْ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً فِي الْحَالِ إنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ جَامَعَهَا أَوْ حَائِضًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى تَطْهُرَ فَتَقَعَ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلِاخْتِصَاصِ: أَيْ الطَّلَاقُ الْمُخْتَصُّ بِالسُّنَّةِ.
وَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا مُفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي أَوْقَاتِ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْهَا وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ تَعَدُّدَ الْوَاقِعِ فَيَصِحُّ.
وَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا جُمْلَةً اُخْتُلِفَ فِيهِ؛ فَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَصَاحِبُ الْمُخْتَلِفَاتِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ.
وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ جُمْلَةً كَمَا تَقَعُ مُفَرَّقَةً عَلَى الْأَطْهَارِ؛ لِأَنَّ لِلسُّنَّةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّعْلِيلِ فَيَصِحُّ وُقُوعُهَا كَمَا إذَا صَرَّحَ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ، وَحَقَّقَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ الْمُخْتَصَّةَ بِالسُّنَّةِ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَا عُرِفَ وَبِدْعِيٌّ وَكِلَاهُمَا عُرِفَا بِالسُّنَّةِ وَإِنْ اقْتَرَنَ أَحَدُهُمَا بِالنَّهْيِ فَأَيُّهُمَا نَوَاهُ صَحَّ فَإِذَا نَوَى الْبِدْعِيَّ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ، وَمُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ مَعَ نِيَّةِ الْجُمْلَةِ لَا تَكُونُ اللَّامُ لِلْوَقْتِ مُفِيدَةً لِلْعُمُومِ، وَمَا وَقَعَ الثَّلَاثُ إلَّا عَنْ ضَرُورَةِ تَعْمِيمِهَا بِالْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ طَالِقٍ لَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَإِذَا فُقِدَ تَعْمِيمُ الْأَوْقَاتِ لَمْ يَبْقَ مَا يَصْلُحُ لِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ فَلَا تَعْمَلُ نِيَّةُ جُمْلَتِهَا، وَقولهُمْ الْمُخْتَصُّ بِالسُّنَّةِ مُسْتَحَبٌّ وَبِدْعِيٌّ، فَأَيُّهُمَا نَوَاهُ صَحَّ، إنْ أَرَادُوا أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ صَحَّ مَنَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ طَالِقًا لَا يُرَادُ بِهِ الثَّلَاثُ أَصْلًا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ إيَّاهُ فَلَا يُرَادُ بِهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ إذَا نَوَى فَرْدًا مِنْ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ أَوْ الْمُسْتَحَبِّ صَحَّ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ وُقُوعَ الْكُلِّ، وَلَيْسَ ثَمَّ مُوجِبٌ آخَرُ لِغَرَضِ أَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لِعُمُومِ الْوَقْتِ لَيْسَ غَيْرُ.
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مَنْعَ أَنَّ تَعْمِيمَ الْأَوْقَاتِ يَسْتَلْزِمُ تَعْمِيمَ الْوَاقِعِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِمَا سَيُعْرَفُ مِنْ أَنَّهَا بِطَلَاقٍ وَاحِدٍ تَكُونُ طَالِقًا كُلَّ يَوْمٍ، وَكَذَا بِطَلَاقٍ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ السَّنَةِ تَصِيرُ بِهِ طَالِقًا فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهَا الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا نَوَى بِقولهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ تَعْمِيمَ أَوْقَاتِ السَّنَةِ بِالْوُقُوعِ لَا فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً بِلَا نِيَّةٍ.
وَلَوْ نَوَى فِيهِ تَجَدُّدَ الْوَاقِعِ فِي الْأَيَّامِ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
نَعَمْ هَذَا يَصْلُحُ إشْكَالًا عَلَى صِحَّةِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ مُفَرَّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمُفَرَّقًا عَلَى الْأَيَّامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُورَدَةِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ طَالِقًا لَا يَقْبَلُ التَّعْمِيمَ، وَلِلسُّنَّةِ عَلَى مَا قَرَّرَ الْمُصَنِّفُ لِوَقْتِهَا فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ، لَكِنْ تَعْمِيمُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعْمِيمَ الْوَاقِعِ فِي الْعَدَدِ بَلْ انْسِحَابُ حُكْمِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ يُوجِبُ أَنَّهَا طَالِقٌ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَفِي كُلِّ الْأَيَّامِ فَلَمْ يُوجِبْ تَعْمِيمَ طَالِقٍ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ وَلَا يَحْتَمِلُهُ فَلَا يَحْتَمِلُ حِينَئِذٍ التَّعْمِيمَ فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَسَنَذْكُرُ مَا ذَكَرَ مِنْ وَجْهِ تَصْحِيحٍ فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فُرُوعٌ:
أَلْفَاظُ طَلَاقِ السُّنَّةِ عَلَى مَا رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لِلسُّنَّةِ وَفِي السُّنَّةِ وَعَلَى السُّنَّةِ وَطَلَاقُ سُنَّةٍ وَالْعِدَّةُ وَطَلَاقُ عِدَّةٍ وَطَلَاقُ الْعَدْلِ وَطَلَاقًا عَدْلًا وَطَلَاقُ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ، وَأَحْسَنُ الطَّلَاقِ وَأَجْمَلُهُ، أَوْ طَلَاقُ الْحَقِّ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ الْكِتَابِ، كُلُّ هَذِهِ تُحْمَلُ عَلَى أَوْقَاتِ السُّنَّةِ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ.
وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ مَعَهُ، فَإِنْ نَوَى طَلَاقَ السُّنَّةِ وَقَعَ فِي أَوْقَاتِهَا، وَإِلَّا وَقَعَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ عَلَى الْكِتَابِ أَوْ بِهِ أَوْ عَلَى قول الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ أَوْ طَلَاقَ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ، فَإِنْ نَوَى السُّنَّةَ دِينَ، وَفِي الْقَضَاءِ يَقَعُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ قول الْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي الْأَمْرَيْنِ، فَإِذَا خَصَّصَ دِيمَ وَلَا يُسْمَعُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ.
وَلَوْ قَالَ عَدْلِيَّةٌ أَوْ سُنِّيَّةٌ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلسُّنَّةِ، وَلَوْ قَالَ حَسَنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ وَقَعَ فِي الْحَالِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَقَعَ فِي الْحَالِ فِي كِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ جَازَ أَنْ تُوصَفَ بِهَا الْمَرْأَةُ فَلَا تُجْعَلُ لِلطَّلَاقِ حَتَّى يَتَأَخَّرَ فَيَقَعَ فِي الْحَالِ، وَاعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ الْغَالِبَ وَبَاقِي هَذَا الْفَصْلِ تَشْبِيهُ الطَّلَاقِ.
وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي الْحَالِ يَقَعُ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ، وَكَذَا الْوَاحِدَةُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ الَّذِي فِيهِ جِمَاعٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ.